الحرية
للحرية عند البعث مفهوم شامل وعميق يتجاوز المعنى السياسي الشكلي الى المعنى الوجودي الانساني ·
فالحرية في مفهوم البعث تعني تحرير ارادة الامة العربية من كل ما يكبلها من اشكال الاعاقة ، والقمع والوصاية ، والهيمنة ، على المستويين الداخلي والخارجي · ومن كل ما يمنع انطلاق طاقاتها المبدعة الكامنة ويعيق نهوضها الحضاري وقيامها بدورها الرسالي في المجتمع الانساني ·
ويكمن وراء تغييب ارادة الامة العربية وقمعها شكلان من اشكال الهيمنة سبقت الاشارة اليهما :
اولهما الهيمنة الاجنبية بشتى اشكالها وفي مقدمتها الاغتصاب والاحتلال والنفوذ السياسي الاجنبي ، والتبعية الاقتصادية ، ونهب الثروات القومية ، والحصار العلمي والتقني ، ولو نظرنا الى واقع الوطن العربي لوجدنا ان الامبريالية والصهيونية تمارسان فيه جميع هذه الاشكال ، وتكبل الامة بكل هذه القيود ، وذلك لتمنعها من تقرير مصيرها وبناء مستقبلها بنفسها ، لانها لا تريد للامة ان تنهض وتريد للوطن العربي ان يظل مزرعة تدر لها الخيرات ·
ومن هنا نجد ان من معاني الحرية في مفهوم البعث التحرر الكامل من جميع اشكال السيطرة الاجنبية : سياسية كانت ام اقتصادية ام اجتماعية ام ثقافية ·
ثانيهما : هيمنة الحكام الطغاة المرتبطين بالقوى الاجنبية الاستعمارية او الخاضعين لها ولمخططاتها او السائرين في ركابها على مقدرات ابناء الامة ، ومنعهم بقوة السلطة ، وقمع الاجهزة القمعية ، من التعبير عن ارادة الامة الحقيقية ، وحماية مصالحها ، والعمل من اجل نهضتها وبناء مشروعها الحضاري ·
ولا يغير من واقع هؤلاء الحكام شيئاً ان بعضهم شرع الدساتير واصدر قوانين ذات مظهر خارجي ديمقراطي ، واقام حياة برلمانية تمارس فيها الانتخابات ، وسمح لبعض الاحزاب بممارسة العمل السياسي ، واعطى لهذه الاحزاب صحفاً تعبر فيها عن ارائها · ذلك ان الدساتير نفسها قد لا تعبر عن ارادة الامة تعبيراً حقيقياً ، والحياة البرلمانية قد تكون نسخة مشوهة من الحياة البرلمانية الغربية · والانتخابات غالباً ما تزيف ، والاحزاب المجازة محوطة بخطوط حمر لا يسمح لها بتجاوزها والصحف لا تكتب الا ما يسمح لها ان تكتب فيه · ووراء كل ذلك اجهزة قمعية كبيرة وقوية ومتنفذة مستعدة لارتكاب افظع الجرائم ·
ومن هنا نجد ان من معاني الحرية في مفهوم البعث ازاحة هذا النوع من الحكام ، واتاحة الفرصة لابناء الامة للتعبير عن ارادتهم دون قيود ، واقامة حياة ديمقراطية تستمد مفاهيمها من تراث الامة · ومن تجاربها وحاجاتها الخاصة · وعدم نقل التجربة الغربية التي اثبت الواقع الملموس انها ممارسة شكلية تزيف ارادة الشعوب وتستلبها وتضعها في دوامة من الاعلام المضلل وتمنعها من رؤية الحقائق التي تحصن حياتها الا بمنظار كبار الرأسماليين والساسة المرتبطين بهم وبمصالحهم ·
على ان التحرر من هذين الشكلين من اشكال الهيمنة لا يكفي في حد ذاته لتحرير ارادة الامة واطلاق طاقتها الكامنة ، فالحرية في مفهوم البعث لا تأخذ مداها الكامل ولا تصل الى معناها الشامل العميق الا في المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد · فما لم تتوحد الامة ويتحرر ابناؤها من ضغط الحاجة والفقر ووسائل القمع والقهر لا يمكن ان تتحرر ارادتها وتنطلق طاقاتها المبدعة ·
ففي توحد الامة يتحقق تكامل حي وتفاعل خلاق بين سائر اجزائها ، وبكل طاقاتها وثرواتها الروحية والماديـة ·
وفي ظل الاشتراكية تتحقق العدالة الاجتماعية وتتكافأ الفرص ويتحرر ابناء الامة من ضغط الحاجة والفقر ويصعب على المغريات ان تشوه ارادتهم ·
وفي ظل الديمقراطية يتحرر ابناء الامة من القمع والاكراه والضغط ويستطيعون التعبير عن ارادتهم بحرية ·
وهكذا نجد في مفهوم الحرية هذا الترابط الحي الخلاق بين اهداف الحزب الثلاثة ، وبين انبعاث الامة ونهوضها الحضاري ·
بل ان مفهوم الحرية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم ( الانقلاب ) الذي سبق الحديث عن في موضوع ( البعث بعث الروح ) · فالحرية لا تأخذ مداها الواسع العميق الا اذا اعيد بناء الانسان العربي ، وازيح عن روحه صدأ التخلف والجهل والزيف والخمول وتحقق انقلاب جذري وشامل وعميق في فكره وسلوكه·
ولهذا كله كانت الحرية وممارساتها الديمقراطية جوهر الحياة الداخلية للحزب ، وكان حزبنا ديمقراطياً في تكوينه وبنائه التنظيمي وممارساته اليومية ·