1) تبلور الإطار التنظيمي السياسي للبعث في المملكة الأردنية
الهاشمية
شهدت الأردن وفلسطين في النصف الثاني من أربعينيات القرن
العشرين، جملة أحداث مهمة دفعت مجتمعة نحو ظهور أحزاب وحركات وتنظيمات وجماعات
شعبية معارضة، نادت بتحرير المحتل من الأرض العربية، وتحقيق الوحدة العربية
والتقدم الاجتماعي.
كانت أبرز هذه التطورات المعاهدات التي
عقدت بين الأمير عبد الله والبريطانيين، ومنها معاهدة التحالف والصداقة الأردنية ـ
البريطانية في 22 آذار/ مارس 1946، وبموجبها ألغيت الاتفاقية الأردنية البريطانية
الموقعة في 20 شباط / فبراير 1928 ونصت على وجوب التشاور المشترك والصريح،
والتحالف الوثيق بجميع الأمور المتعلقة بالشؤون الخارجية، وإقامة التمثيل
الدبلوماسي بين البلدين وفق الأصول المرعية، كما وعدت الحكومة البريطانية بتقديم
مساعدة مالية إلى الأمير عبد الله لتسديد تكاليف الأقسام الحربية في قوات الجيش
العربي، وقيدت المعونة بشروط منها: أن يتفق الطرفان المتعاقدان في كل سنة على
تحديد قوة الأقسام الحربية في القوات المسلحة الأردنية، ويجوز لبريطانيا أن تختار
المواقع المناسبة لإقامة قوات بريطانية مسلحة في شرق الأردن، ويقدم أمير شرق
الأردن من جانبه جميع التسهيلات الضرورية لإيواء هذه القوات وصيانتها وخزن ذخائرها
ومعداتها واستئجار أي أرض تلزم حسب الضرورة، وبالمقابل اعترفت بريطانيا بإمارة شرق
الأردن دولة مستقلة وبالأمير عبد الله ملكاً عليها.
قوبلت هذه المعاهدة بمعارضة شعبية داخل
البرلمان وخارجه ففي داخل مجلس النواب انتظم عقد المعارضة في” الكتلة المستقلة
“التي قدمت بيانا في 24 كانون الأول / ديسمبر 1946،وطالبت فيه: 1) تعديل هذه
المعاهدة، باعتبار ذلك مطلباً من المطالب القومية.
2) إلغاء الملحق العسكري منها.
وأهاب الحزب العربي الأردني بالشعب أن
يوحد جهوده، ويقدم احتجاجه تجاه المعاهدة، و طالب بجلاء الجيوش الأجنبية عن الوطن
العربي والتعاون مع الأقطار العربية الشقيقة داعياً إلى وضع دستور ديمقراطي، و فصل
السلطات، واستنكر توقيع المعاهدة من قبل الأمير عبد الله، الذي اعتبره فرداً لا
يملك هذا الحق داعيا إلى قيام نظام نيابي دستوري بدلا من نظام الانتداب.
تعرضت هذه المعاهدة إلى الانتقادات
المريرة، من قبل الوطنيين الأردنيين و عدد من الساسة العرب، " وهاجمتها
الصحافة العربية هجوماً شديداً "، فتضايقت حكومة الأردن، وأعربت لدى حكومة
بريطانيا، عن رغبتها في تعديل بعض بنودها. عقدت معاهدة أخرى في عمان في 15 آذار/
مارس 1948، وروعي في هذه المعاهدة أن تنسجم أحكامها مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة
ومواصلة تمتين عرى العلاقة والصداقة بين بريطانيا والأردن ، وتثبيت العلاقات على
أسس تلاءم الصداقة بينهما وأن يتعاون الطرفان كل حسب جهده مع مراعاة السلم والأمن
الدوليين، وما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
كانت معاهدة 1948 في مضمونها إعادة صياغة
للمعاهدة التي عقدت عام 1946 بما تضمنته من الحفاظ على مصالح بريطانيا، والإبقاء
على الوجود العسكري البريطاني في شرق الأردن، وضمنت الدفاع عن المواقع العسكرية
البريطانية في قناة السويس، وفي العراق واعتبرت هذه المعاهدة حجر عثرة في طريق
الحركة القومية العربية، التي ناصبت بريطانيا العداء منذ حرب فلسطين عام 1948.
وقد واكبت هاتان المعاهدتان اللتان وقعها
أمير الأردن مع بريطانيا، الأحداث المتسارعة التي مرت بها القضية الفلسطينية، بحيث
أثرت لاحقا في ظهور الحركات الشعبية المعارضة. كما كان لها تأثير على القرارات
الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي كان أهمها في تلك المرحلة قرار التقسيم
الصادر عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين ثاني / نوفمبر1947، الذي قوبل برفض
عربي. في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل فرض التقسيم كأمر واقع على الأرض ؛
بهزيمتها للجيوش العربية والحصول على أراض أكثر مما قرر لها قبل الهدنة وبقوة
السلاح.
كان تأثير الهزيمة قوياً في نفوس الجماهير
العربية، والقيادات الشابة مثل: الضباط في الجيوش العربية، إضافة إلي القيادات
الشعبية، وكانت الهزيمة، مدار تحليل وهجوم وانتقاد مختلف القيادات، وبدأ كل طرف
يبحث في أسبابها، ويعلل أسباب الهزيمة ونتائجها.
انتهت حرب فلسطين عام 1948 نهاية مفجعة
بعد أن خطط لها البريطانيون، وقد تبعها تناقض المواقف والاستراتيجيات بين حكومة
عموم فلسطين، وبين الحكومات العربية وقد حرض الأردن شخصيات فلسطينية على عقد مؤتمر
أريحا المؤيد لسياسة الملك عبد الله وطالب المؤتمرون بضم فلسطين للأردن، كذلك قامت
السلطات بطرد الحاج أمين الحسيني من قطاع غزة، وتحولت قضية فلسطين إلى قضية
لاجئين، وتحولت إلى قضية حدود ورغم ذلك ظلت نار الوطنية تتقد في النفوس وفي هذه
الأجواء تحرك ضباط الجيش لعمل انقلابات كما صعدت تيارات سياسية جديدة متعددة منها:
الشيوعيون، البعثيون والقوميون العرب، والقوميون السوريون، وجماعة الإخوان
المسلمون، وحزب التحرير الإسلامي، إلا أن التيارات القومية العربية استقطبت اهتمام
الفلسطينيين.
أسهمت هذه التطورات في إيجاد أرضية،
وقاعدة مناسبة، ومناخ ملائم في نمو وظهور الأحزاب والحركات السياسية الجديدة،
ومنها حزب البعث في فلسطين والأردن، وكذلك تبلور وتعزيز نشاطات الأحزاب المختلفة
في أوساط الفلسطينيين التي كانت دافعاً للتغيير.
جرى في 4 نيسان / أبريل 1947عقد مؤتمر
قومي تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ،و حضره عدد من الطلبة
العرب، كان من بينهم طلاب أردنيون عرف منهم أمين شقير، وحمدي الساكت. وبعد رجوعهما
إلى الأردن أخذا يؤسسان حلقات البعث في الضفة الشرقية، والتي انضم إليها منيف
الرزاز ، وعبد الرحمن شقير، وسليمان الحديدي.
وفي العام الذي تلاه قام عبد الرحمن شقير،
وراضي الشخشير، وسليمان الحديدي بزيارة بهجت ابوغربية في القدس، وبعد سلسلة زيارات
متكررة عرضوا عليه الانتساب إلى الحزب في تموز/ يوليو 1949، حيث استجاب لطلبهم
وكان من أوائل المنتسبين في الضفة الغربية لحزب البعث، رغم أن بعض الشباب
الفلسطيني الذين أقاموا في الضفة الشرقية سبقوه إلى ذلك.
إلى جانب الحلقة التي أسسها أبو غربية في
القدس، كانت هناك حلقة بعثية تعمل في طولكرم منذ كانون الأول/ ديسمبر 1948، وتضم
طلاباً درسوا في الجامعة الأمريكية في بيروت وهؤلاء تعرفوا على فكر حزب البعث بعد
اختلاطهم بشعبة بيروت، في لبنان، وهم صبري قندح، ومالك الحاج إبراهيم ومحمود
الخواجا، وانتسب إلى حلقتهم خالد درزي.
انتشرت في الضفة الغربية مجموعات مختلفة
تحمل اسم البعث: إحداها يرتبط بحزب البعث الأردني والثانية تعمل في رام الله
والقدس، وتحمل اسم جماعة البعث في رام الله، وقد عملت هذه المجموعات المختلفة في
مجتمع فلسطيني متعطش للتغيير، ويرفض الهزيمة التي سببتها الأنظمة الرجعية العربية
. كانت " جماعة البعث " في رام الله والقدس عبارة عن مجموعة أشخاص غير
منتسبين آلي أحزاب سياسية، ولكنهم تأثروا بتيار المعارضة الشعبية، وتمّيزوا بالمستوى
الثقافي العالي، وحلقت حول صحيفة "البعث "، التي أصدروها في مدينة القدس
في آذار/ مارس 1949.
بعد عقد الهدنة الثانية عام1949 بين
الأردن والكيان الصهيوني، تعرف عبد الله الريماوي وعبد الله نعواس ، وكمال ناصر،
على الضابط الأردني عبد الله التل ،الذي كان حاكماً عسكريا لمدينة القدس، وحمل روح
المعارضة للنظام الأردني، وقد سهل لهم إصدار صحيفة البعث التي حررها الريماوي ،
وأتاح لهم الإطلاع على خفايا السياسة الأردنية، وشجعهم على توجيه الانتقادات للحكم
الأردني.
ضمت"جماعة البعث " في رام الله
، والقدس أشخاصا عرفوا بنضالاتهم الوطنية فبعضهم عمل في مكاتب الدعاية العربية، أو
مثل فلسطين في جامعة الدول العربية، وإنشاء مشاريع صناعية لتطوير أحوال المزارع
والفلاح الفلسطيني، مثل موسى العلمي، وبعضهم شارك مع عبد القادر الحسيني في تنظيم
الجهاد المقدس، ومع جيش الإنقاذ، ومن بينهم: عبد الله الريماوي ، وعبد الله نعواس،
وكمال ناصر، وأنور الخطيب.
تضامن مع هذه المجموعة عدد آخر من
المثقفين الفلسطينيين منهم: أنور الخطيب، وبرهان الدجاني ،ويحيى حمودة.
لاقت صحيفة البعث الدعم والتأييد المالي
والمعنوي من الزعيم الفلسطيني موسى العلمي مؤسس المشروع الإنشائي العربي في أريحا.
كان العلمي صاحب "كتاب عبرة
فلسطين" من أوائل من تعرضوا لتحليل أسباب الهزيمة والذي تشابهت أفكاره مع
أفكار "جماعة البعث "، وكانت عناصر التشابه معها في مطالبته في الوحدة
العربية والتغيير الاجتماعي رداً على التجزئة العربية و القضاء على التخلف، وبيّن
العلمي في كتابه أن الشعب بحاجة إلى الحصول على حقوقه كاملة.
قدم عبد الله التل المواد الإعلامية
للصحيفة، وسرب أخبار الاتصالات الجارية بين الملك عبد الله ، وموسى شاريت أول رئيس
وزراء إسرائيلي، و بدوره قام عبد الله الريماوي بفضح سياسة النظام الأردني وكانت
واحدة من المسائل التي تعرض لها في صحيفته مسألة تسليم أراضي ( المثلث العربي
الفلسطيني) التي تسلمتها الحكومة الأردنية من القوات العراقية بعد انسحابها، وتخلت
حكومة الأردن عنها في اتفاقية رودس نيسان 1949، و لمصلحة إسرائيل، وفي هذه
المناسبة أصدر الريماوي صحيفته، وبها مقال بعنوان: " إني لأرى رؤوساً قد
أينعت وحان قطافها"
وفي أعقاب نشر هذا المقال أصدرت الحكومة
الأردنية قراراً بإغلاق صحيفة البعث وأرسلت التعليمات إلى عبد الله التل كي ينفذها
لكن التل لم يأبه بالقرار وواصلت الصحيفة نشر مقالاتها اللاذعة ضد الملك عبد الله.
وفي إطار العلاقة بين جماعة البعث وقائد
الجيش الأردني عبد الله التل بحثت مسألة إسقاط النظام الأردني، وإجراء انقلاب
عسكري، وقد غذى تلك الفكرة نجاح الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم في سوريا يوم 30
آذار/ مارس 1949 وبحثت المسألة بين عبد الله التل، وعبد الله الريماوي وتقي الدين
النبهاني، وتوجه الريماوي والنبهاني إلى دمشق بإيعاز من عبد الله التل، وحدثت هذه
الجهود قبل أن يفر التل لاجئاً سياسيا إلى مصرفي العاشر من تشرين الأول / أكتوبر
1949.
أغلقت صحيفة البعث في شهري أيار وحزيران
1949، في أعقاب اندلاع التظاهرات الشعبية العنيفة في الضفة الغربية، ثم بسبب كتابة
كمال ناصر مقالا في البعث حول تسليم "المثلث العربي الفلسطيني " فسجن 18
يوما.
أطلق سراح عبد الله نعواس في نيسان /
أبريل 1949، وبعدها بشهر واحد أطلق سراح عبد الله الريماوي حيث عملت الحكومة
الأردنية لاستكمال خطوات ضم الضفتين الشرقية والغربية حيث كان مقررا لها أن تنتهي
في هذا الشهر، وذلك بإجراء انتخابات برلمانية مشتركة للضفتين الشرقية والغربية
وحرصا على إشراك جميع أطراف المعارضة، ومنها: حزب البعث رغم انه لم يقدر تماما مدى
قوتها أو فاعليتها الحقيقية، لاسيما في القدس ورام الله وما حولهما.
أظهرت نتائج الانتخابات القوة التي تمتعت
بها جماعة البعث، ومنها المرشحان عبد الله نعواس وعبد الله الريماوي. لقد حظي
كلاهما بشعبية كبيرة ليس لكونهما انتميا لهذه الحركة بل لكونهما شخصيتان متميزتان،
كما تميز الريماوي بذكائه ونشاطه المكثف ؛ مما أهله لاحقا للصعود في الحزب ، وظل
الأكثر تأثيراً حتى عام 1959.
عقدت جماعة البعث اجتماعاتها في القدس
ورام الله، ففي القدس عقدت اجتماعاتها في حي باب الساهرة، وهي تلتمس السبل في سبيل
إنقاذ فلسطين وعقدت اجتماعاً موسعاً في بيت يحيى حمودة* في رام الله لغرض بلورة حزب سياسي من هؤلاء
الأشخاص وغيرهم. وقد وصف أحد المشاركين التوجه السائد لديهم " هو
إنشاء حزب بعث عربي يعمل لوحدة هذه الأمة، وتجميع قدراتها لإنقاذ فلسطين"
اختلف جماعة البعث في تسمية الحزب حيث عرض
الريماوي ونعواس وبرهان الدجاني تبّني الاشتراكية، وإدخال كلمة الاشتراكي بعد حزب
البعث، وتقرر تقديم طلب ترخيص وتعيين محمد أديب العامري أميناً عاماً للحزب، إلا
أن الحكومة رفضت منحهم ترخيصاً، وانفرط عقدهم وأعيد تشكيل الحزب بأعضاء جدد.
أما اسم جماعة البعث في منطقة رام الله
والقدس فقد جاء بعد أن زار ميشيل عفلق فلسطين في حرب1948، وقام بتوزيع بيانات
ومنشورات في رام الله والقدس، والتقى عبد الله الريماوي عفلق الذي أعجب بأفكار
البعث بعد أن قرأ دستوره.
سافر عبد الله الريماوي إلى دمشق ليبحث مع
مؤسس حزب البعث هناك إقامة حزب مستقل في الضفة الغربية، ودون أن تكون له أية علاقة
بتنظيم حزب البعث في الأردن، إلا أن ميشيل عفلق رفض هذا العرض واقتنع عبد الله
الريماوي وعبد الله نعواس بالفكرة، وانتسبا لحزب البعث الأردني، ولم يفعل باقي
الأصدقاء الشيء نفسه ، وكان ذلك عشية الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن عام
1950، التي على أثرها تم توحيد الضفتين.
وقد جاء توحيد حزب البعث في رام الله مع
حزب البعث في الضفة الشرقية بعد أن سبق للبعث في سورية أن أصدر في أوائل عام 1950
منشوراً في دمشق يوضحً فيه عدم صلته بحزب البعث في رام الله، الذي أعلنت عن تأسيسه
صحيفة فلسطين في شباط / فبراير 1950.
انتظم عقد المجموعات البعثية المختلفة في
تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الأردني، بينما اختار آخرون الاستقلالية
السياسية، وهكذا برزت أسماء جديدة في التنظيم أمثال: عبد الله الريماوي، وعبد الله
نعواس، وبهجت أبو غربية، وكمال ناصر.ففي مؤتمره القطري الأول عام 1952 أختار
المؤتمرون عبد الله الريماوي رئيسا للقيادة القطرية بعد أن كان أمين شقير أمينا
عاما لمنظمة البعث قبل هذا التاريخ. وضمت القيادة القطرية لحزب البعث كل من عبد
الله نعواس، وبهجت أبو غربية، وعبد الرحمن شقير، وأمين شقير، وحمدي عبد المجيد،
وحسني الخفش، وسليمان الحديدي.
انتشرت فروع حزب البعث في مدن المملكة
الأردنية الهاشمية، و عقد الحزب وفي الخامس من شباط/ فبراير1952 تقدم عبد الله
الريماوي، وفرح إسحاق، ومنيف الرزاز، وعبد الله نعواس، وبهجت أبوغربية، وأمين
شقير، وسليمان الحديدي بطلب ترخيص للحزب، ورفض مجلس الوزراء طلب الترخيص ؛ لأنه
يخالف ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 16 من الدستور الأردني بدعوى اعتناقه
مبادئ متطرفة وهو فرع للبعث في سوريا. عادوا مرة أخرى لتقديم طلب جديد في 23
حزيران/ يونيو 1953، ورفضته الحكومة في آذار/ مارس 1954، وكرروا طلبهم الجديد،
وأضيف لهم حسني الخفش، وحمدي عبد المجيد، وعلي الجعبري، و راتب دروزة، وعبد الكريم
خريس إلا أن طلبهم رفض مرة أخرى من قبل مجلس الوزراء في 28 حزيران / يونيو 1954،
لكن محكمة العدل العليا عادت و نقضت رفض الحكومة، مما سمح للحزب في النشاط العلني
وفي 28 آب / أغسطس1955 اعتبر الحزب قائما بقرار من محكمة العدل العليا ومارس نشاطه.
بدأ تنظيم حزب البعث في المملكة الأردنية
الهاشمية، يعمل على تجنيد العناصر المتعلمة والشابة، من النخبة المثقفة، مثل
المعلمين والطلاب بشكل خاص، وباقي الفئات المتعلمة بصورة عامة، وهي التي تحظى
بالمكانة الاجتماعية.
قام الحزب في بداية تأسيسه على كاهل مجموعة من
الأشخاص المثقفين والذين سبقت لهم تجارب وطنية وسياسية في الأردن وفلسطين ومنهم:
سليمان الحديدي، وأمين شقير، وجمال الشاعر ومنيف الرزاز ( الضفة الشرقية )، و كل
من السادة: عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، وبهجت ابوغربية وحسني الخفش،
وبسام الشكعة (الضفة الغربية )، وهؤلاء يضمون خريجين من الجامعة الأمريكية في بيروت،
أو ناضلوا في الثورات العربية الفلسطينية مثل:ثورة 1936ـ 1939، والحرب العربية ـ
الإسرائيلية عام 1948 أو كانوا أعضاء في عصبة العمل الوطني وتركوها بعد أن أيد
الشيوعيون قرار التقسيم الصادر عام 1947.
الهاشمية
شهدت الأردن وفلسطين في النصف الثاني من أربعينيات القرن
العشرين، جملة أحداث مهمة دفعت مجتمعة نحو ظهور أحزاب وحركات وتنظيمات وجماعات
شعبية معارضة، نادت بتحرير المحتل من الأرض العربية، وتحقيق الوحدة العربية
والتقدم الاجتماعي.
كانت أبرز هذه التطورات المعاهدات التي
عقدت بين الأمير عبد الله والبريطانيين، ومنها معاهدة التحالف والصداقة الأردنية ـ
البريطانية في 22 آذار/ مارس 1946، وبموجبها ألغيت الاتفاقية الأردنية البريطانية
الموقعة في 20 شباط / فبراير 1928 ونصت على وجوب التشاور المشترك والصريح،
والتحالف الوثيق بجميع الأمور المتعلقة بالشؤون الخارجية، وإقامة التمثيل
الدبلوماسي بين البلدين وفق الأصول المرعية، كما وعدت الحكومة البريطانية بتقديم
مساعدة مالية إلى الأمير عبد الله لتسديد تكاليف الأقسام الحربية في قوات الجيش
العربي، وقيدت المعونة بشروط منها: أن يتفق الطرفان المتعاقدان في كل سنة على
تحديد قوة الأقسام الحربية في القوات المسلحة الأردنية، ويجوز لبريطانيا أن تختار
المواقع المناسبة لإقامة قوات بريطانية مسلحة في شرق الأردن، ويقدم أمير شرق
الأردن من جانبه جميع التسهيلات الضرورية لإيواء هذه القوات وصيانتها وخزن ذخائرها
ومعداتها واستئجار أي أرض تلزم حسب الضرورة، وبالمقابل اعترفت بريطانيا بإمارة شرق
الأردن دولة مستقلة وبالأمير عبد الله ملكاً عليها.
قوبلت هذه المعاهدة بمعارضة شعبية داخل
البرلمان وخارجه ففي داخل مجلس النواب انتظم عقد المعارضة في” الكتلة المستقلة
“التي قدمت بيانا في 24 كانون الأول / ديسمبر 1946،وطالبت فيه: 1) تعديل هذه
المعاهدة، باعتبار ذلك مطلباً من المطالب القومية.
2) إلغاء الملحق العسكري منها.
وأهاب الحزب العربي الأردني بالشعب أن
يوحد جهوده، ويقدم احتجاجه تجاه المعاهدة، و طالب بجلاء الجيوش الأجنبية عن الوطن
العربي والتعاون مع الأقطار العربية الشقيقة داعياً إلى وضع دستور ديمقراطي، و فصل
السلطات، واستنكر توقيع المعاهدة من قبل الأمير عبد الله، الذي اعتبره فرداً لا
يملك هذا الحق داعيا إلى قيام نظام نيابي دستوري بدلا من نظام الانتداب.
تعرضت هذه المعاهدة إلى الانتقادات
المريرة، من قبل الوطنيين الأردنيين و عدد من الساسة العرب، " وهاجمتها
الصحافة العربية هجوماً شديداً "، فتضايقت حكومة الأردن، وأعربت لدى حكومة
بريطانيا، عن رغبتها في تعديل بعض بنودها. عقدت معاهدة أخرى في عمان في 15 آذار/
مارس 1948، وروعي في هذه المعاهدة أن تنسجم أحكامها مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة
ومواصلة تمتين عرى العلاقة والصداقة بين بريطانيا والأردن ، وتثبيت العلاقات على
أسس تلاءم الصداقة بينهما وأن يتعاون الطرفان كل حسب جهده مع مراعاة السلم والأمن
الدوليين، وما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
كانت معاهدة 1948 في مضمونها إعادة صياغة
للمعاهدة التي عقدت عام 1946 بما تضمنته من الحفاظ على مصالح بريطانيا، والإبقاء
على الوجود العسكري البريطاني في شرق الأردن، وضمنت الدفاع عن المواقع العسكرية
البريطانية في قناة السويس، وفي العراق واعتبرت هذه المعاهدة حجر عثرة في طريق
الحركة القومية العربية، التي ناصبت بريطانيا العداء منذ حرب فلسطين عام 1948.
وقد واكبت هاتان المعاهدتان اللتان وقعها
أمير الأردن مع بريطانيا، الأحداث المتسارعة التي مرت بها القضية الفلسطينية، بحيث
أثرت لاحقا في ظهور الحركات الشعبية المعارضة. كما كان لها تأثير على القرارات
الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي كان أهمها في تلك المرحلة قرار التقسيم
الصادر عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين ثاني / نوفمبر1947، الذي قوبل برفض
عربي. في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل فرض التقسيم كأمر واقع على الأرض ؛
بهزيمتها للجيوش العربية والحصول على أراض أكثر مما قرر لها قبل الهدنة وبقوة
السلاح.
كان تأثير الهزيمة قوياً في نفوس الجماهير
العربية، والقيادات الشابة مثل: الضباط في الجيوش العربية، إضافة إلي القيادات
الشعبية، وكانت الهزيمة، مدار تحليل وهجوم وانتقاد مختلف القيادات، وبدأ كل طرف
يبحث في أسبابها، ويعلل أسباب الهزيمة ونتائجها.
انتهت حرب فلسطين عام 1948 نهاية مفجعة
بعد أن خطط لها البريطانيون، وقد تبعها تناقض المواقف والاستراتيجيات بين حكومة
عموم فلسطين، وبين الحكومات العربية وقد حرض الأردن شخصيات فلسطينية على عقد مؤتمر
أريحا المؤيد لسياسة الملك عبد الله وطالب المؤتمرون بضم فلسطين للأردن، كذلك قامت
السلطات بطرد الحاج أمين الحسيني من قطاع غزة، وتحولت قضية فلسطين إلى قضية
لاجئين، وتحولت إلى قضية حدود ورغم ذلك ظلت نار الوطنية تتقد في النفوس وفي هذه
الأجواء تحرك ضباط الجيش لعمل انقلابات كما صعدت تيارات سياسية جديدة متعددة منها:
الشيوعيون، البعثيون والقوميون العرب، والقوميون السوريون، وجماعة الإخوان
المسلمون، وحزب التحرير الإسلامي، إلا أن التيارات القومية العربية استقطبت اهتمام
الفلسطينيين.
أسهمت هذه التطورات في إيجاد أرضية،
وقاعدة مناسبة، ومناخ ملائم في نمو وظهور الأحزاب والحركات السياسية الجديدة،
ومنها حزب البعث في فلسطين والأردن، وكذلك تبلور وتعزيز نشاطات الأحزاب المختلفة
في أوساط الفلسطينيين التي كانت دافعاً للتغيير.
جرى في 4 نيسان / أبريل 1947عقد مؤتمر
قومي تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ،و حضره عدد من الطلبة
العرب، كان من بينهم طلاب أردنيون عرف منهم أمين شقير، وحمدي الساكت. وبعد رجوعهما
إلى الأردن أخذا يؤسسان حلقات البعث في الضفة الشرقية، والتي انضم إليها منيف
الرزاز ، وعبد الرحمن شقير، وسليمان الحديدي.
وفي العام الذي تلاه قام عبد الرحمن شقير،
وراضي الشخشير، وسليمان الحديدي بزيارة بهجت ابوغربية في القدس، وبعد سلسلة زيارات
متكررة عرضوا عليه الانتساب إلى الحزب في تموز/ يوليو 1949، حيث استجاب لطلبهم
وكان من أوائل المنتسبين في الضفة الغربية لحزب البعث، رغم أن بعض الشباب
الفلسطيني الذين أقاموا في الضفة الشرقية سبقوه إلى ذلك.
إلى جانب الحلقة التي أسسها أبو غربية في
القدس، كانت هناك حلقة بعثية تعمل في طولكرم منذ كانون الأول/ ديسمبر 1948، وتضم
طلاباً درسوا في الجامعة الأمريكية في بيروت وهؤلاء تعرفوا على فكر حزب البعث بعد
اختلاطهم بشعبة بيروت، في لبنان، وهم صبري قندح، ومالك الحاج إبراهيم ومحمود
الخواجا، وانتسب إلى حلقتهم خالد درزي.
انتشرت في الضفة الغربية مجموعات مختلفة
تحمل اسم البعث: إحداها يرتبط بحزب البعث الأردني والثانية تعمل في رام الله
والقدس، وتحمل اسم جماعة البعث في رام الله، وقد عملت هذه المجموعات المختلفة في
مجتمع فلسطيني متعطش للتغيير، ويرفض الهزيمة التي سببتها الأنظمة الرجعية العربية
. كانت " جماعة البعث " في رام الله والقدس عبارة عن مجموعة أشخاص غير
منتسبين آلي أحزاب سياسية، ولكنهم تأثروا بتيار المعارضة الشعبية، وتمّيزوا بالمستوى
الثقافي العالي، وحلقت حول صحيفة "البعث "، التي أصدروها في مدينة القدس
في آذار/ مارس 1949.
بعد عقد الهدنة الثانية عام1949 بين
الأردن والكيان الصهيوني، تعرف عبد الله الريماوي وعبد الله نعواس ، وكمال ناصر،
على الضابط الأردني عبد الله التل ،الذي كان حاكماً عسكريا لمدينة القدس، وحمل روح
المعارضة للنظام الأردني، وقد سهل لهم إصدار صحيفة البعث التي حررها الريماوي ،
وأتاح لهم الإطلاع على خفايا السياسة الأردنية، وشجعهم على توجيه الانتقادات للحكم
الأردني.
ضمت"جماعة البعث " في رام الله
، والقدس أشخاصا عرفوا بنضالاتهم الوطنية فبعضهم عمل في مكاتب الدعاية العربية، أو
مثل فلسطين في جامعة الدول العربية، وإنشاء مشاريع صناعية لتطوير أحوال المزارع
والفلاح الفلسطيني، مثل موسى العلمي، وبعضهم شارك مع عبد القادر الحسيني في تنظيم
الجهاد المقدس، ومع جيش الإنقاذ، ومن بينهم: عبد الله الريماوي ، وعبد الله نعواس،
وكمال ناصر، وأنور الخطيب.
تضامن مع هذه المجموعة عدد آخر من
المثقفين الفلسطينيين منهم: أنور الخطيب، وبرهان الدجاني ،ويحيى حمودة.
لاقت صحيفة البعث الدعم والتأييد المالي
والمعنوي من الزعيم الفلسطيني موسى العلمي مؤسس المشروع الإنشائي العربي في أريحا.
كان العلمي صاحب "كتاب عبرة
فلسطين" من أوائل من تعرضوا لتحليل أسباب الهزيمة والذي تشابهت أفكاره مع
أفكار "جماعة البعث "، وكانت عناصر التشابه معها في مطالبته في الوحدة
العربية والتغيير الاجتماعي رداً على التجزئة العربية و القضاء على التخلف، وبيّن
العلمي في كتابه أن الشعب بحاجة إلى الحصول على حقوقه كاملة.
قدم عبد الله التل المواد الإعلامية
للصحيفة، وسرب أخبار الاتصالات الجارية بين الملك عبد الله ، وموسى شاريت أول رئيس
وزراء إسرائيلي، و بدوره قام عبد الله الريماوي بفضح سياسة النظام الأردني وكانت
واحدة من المسائل التي تعرض لها في صحيفته مسألة تسليم أراضي ( المثلث العربي
الفلسطيني) التي تسلمتها الحكومة الأردنية من القوات العراقية بعد انسحابها، وتخلت
حكومة الأردن عنها في اتفاقية رودس نيسان 1949، و لمصلحة إسرائيل، وفي هذه
المناسبة أصدر الريماوي صحيفته، وبها مقال بعنوان: " إني لأرى رؤوساً قد
أينعت وحان قطافها"
وفي أعقاب نشر هذا المقال أصدرت الحكومة
الأردنية قراراً بإغلاق صحيفة البعث وأرسلت التعليمات إلى عبد الله التل كي ينفذها
لكن التل لم يأبه بالقرار وواصلت الصحيفة نشر مقالاتها اللاذعة ضد الملك عبد الله.
وفي إطار العلاقة بين جماعة البعث وقائد
الجيش الأردني عبد الله التل بحثت مسألة إسقاط النظام الأردني، وإجراء انقلاب
عسكري، وقد غذى تلك الفكرة نجاح الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم في سوريا يوم 30
آذار/ مارس 1949 وبحثت المسألة بين عبد الله التل، وعبد الله الريماوي وتقي الدين
النبهاني، وتوجه الريماوي والنبهاني إلى دمشق بإيعاز من عبد الله التل، وحدثت هذه
الجهود قبل أن يفر التل لاجئاً سياسيا إلى مصرفي العاشر من تشرين الأول / أكتوبر
1949.
أغلقت صحيفة البعث في شهري أيار وحزيران
1949، في أعقاب اندلاع التظاهرات الشعبية العنيفة في الضفة الغربية، ثم بسبب كتابة
كمال ناصر مقالا في البعث حول تسليم "المثلث العربي الفلسطيني " فسجن 18
يوما.
أطلق سراح عبد الله نعواس في نيسان /
أبريل 1949، وبعدها بشهر واحد أطلق سراح عبد الله الريماوي حيث عملت الحكومة
الأردنية لاستكمال خطوات ضم الضفتين الشرقية والغربية حيث كان مقررا لها أن تنتهي
في هذا الشهر، وذلك بإجراء انتخابات برلمانية مشتركة للضفتين الشرقية والغربية
وحرصا على إشراك جميع أطراف المعارضة، ومنها: حزب البعث رغم انه لم يقدر تماما مدى
قوتها أو فاعليتها الحقيقية، لاسيما في القدس ورام الله وما حولهما.
أظهرت نتائج الانتخابات القوة التي تمتعت
بها جماعة البعث، ومنها المرشحان عبد الله نعواس وعبد الله الريماوي. لقد حظي
كلاهما بشعبية كبيرة ليس لكونهما انتميا لهذه الحركة بل لكونهما شخصيتان متميزتان،
كما تميز الريماوي بذكائه ونشاطه المكثف ؛ مما أهله لاحقا للصعود في الحزب ، وظل
الأكثر تأثيراً حتى عام 1959.
عقدت جماعة البعث اجتماعاتها في القدس
ورام الله، ففي القدس عقدت اجتماعاتها في حي باب الساهرة، وهي تلتمس السبل في سبيل
إنقاذ فلسطين وعقدت اجتماعاً موسعاً في بيت يحيى حمودة* في رام الله لغرض بلورة حزب سياسي من هؤلاء
الأشخاص وغيرهم. وقد وصف أحد المشاركين التوجه السائد لديهم " هو
إنشاء حزب بعث عربي يعمل لوحدة هذه الأمة، وتجميع قدراتها لإنقاذ فلسطين"
اختلف جماعة البعث في تسمية الحزب حيث عرض
الريماوي ونعواس وبرهان الدجاني تبّني الاشتراكية، وإدخال كلمة الاشتراكي بعد حزب
البعث، وتقرر تقديم طلب ترخيص وتعيين محمد أديب العامري أميناً عاماً للحزب، إلا
أن الحكومة رفضت منحهم ترخيصاً، وانفرط عقدهم وأعيد تشكيل الحزب بأعضاء جدد.
أما اسم جماعة البعث في منطقة رام الله
والقدس فقد جاء بعد أن زار ميشيل عفلق فلسطين في حرب1948، وقام بتوزيع بيانات
ومنشورات في رام الله والقدس، والتقى عبد الله الريماوي عفلق الذي أعجب بأفكار
البعث بعد أن قرأ دستوره.
سافر عبد الله الريماوي إلى دمشق ليبحث مع
مؤسس حزب البعث هناك إقامة حزب مستقل في الضفة الغربية، ودون أن تكون له أية علاقة
بتنظيم حزب البعث في الأردن، إلا أن ميشيل عفلق رفض هذا العرض واقتنع عبد الله
الريماوي وعبد الله نعواس بالفكرة، وانتسبا لحزب البعث الأردني، ولم يفعل باقي
الأصدقاء الشيء نفسه ، وكان ذلك عشية الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن عام
1950، التي على أثرها تم توحيد الضفتين.
وقد جاء توحيد حزب البعث في رام الله مع
حزب البعث في الضفة الشرقية بعد أن سبق للبعث في سورية أن أصدر في أوائل عام 1950
منشوراً في دمشق يوضحً فيه عدم صلته بحزب البعث في رام الله، الذي أعلنت عن تأسيسه
صحيفة فلسطين في شباط / فبراير 1950.
انتظم عقد المجموعات البعثية المختلفة في
تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الأردني، بينما اختار آخرون الاستقلالية
السياسية، وهكذا برزت أسماء جديدة في التنظيم أمثال: عبد الله الريماوي، وعبد الله
نعواس، وبهجت أبو غربية، وكمال ناصر.ففي مؤتمره القطري الأول عام 1952 أختار
المؤتمرون عبد الله الريماوي رئيسا للقيادة القطرية بعد أن كان أمين شقير أمينا
عاما لمنظمة البعث قبل هذا التاريخ. وضمت القيادة القطرية لحزب البعث كل من عبد
الله نعواس، وبهجت أبو غربية، وعبد الرحمن شقير، وأمين شقير، وحمدي عبد المجيد،
وحسني الخفش، وسليمان الحديدي.
انتشرت فروع حزب البعث في مدن المملكة
الأردنية الهاشمية، و عقد الحزب وفي الخامس من شباط/ فبراير1952 تقدم عبد الله
الريماوي، وفرح إسحاق، ومنيف الرزاز، وعبد الله نعواس، وبهجت أبوغربية، وأمين
شقير، وسليمان الحديدي بطلب ترخيص للحزب، ورفض مجلس الوزراء طلب الترخيص ؛ لأنه
يخالف ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 16 من الدستور الأردني بدعوى اعتناقه
مبادئ متطرفة وهو فرع للبعث في سوريا. عادوا مرة أخرى لتقديم طلب جديد في 23
حزيران/ يونيو 1953، ورفضته الحكومة في آذار/ مارس 1954، وكرروا طلبهم الجديد،
وأضيف لهم حسني الخفش، وحمدي عبد المجيد، وعلي الجعبري، و راتب دروزة، وعبد الكريم
خريس إلا أن طلبهم رفض مرة أخرى من قبل مجلس الوزراء في 28 حزيران / يونيو 1954،
لكن محكمة العدل العليا عادت و نقضت رفض الحكومة، مما سمح للحزب في النشاط العلني
وفي 28 آب / أغسطس1955 اعتبر الحزب قائما بقرار من محكمة العدل العليا ومارس نشاطه.
بدأ تنظيم حزب البعث في المملكة الأردنية
الهاشمية، يعمل على تجنيد العناصر المتعلمة والشابة، من النخبة المثقفة، مثل
المعلمين والطلاب بشكل خاص، وباقي الفئات المتعلمة بصورة عامة، وهي التي تحظى
بالمكانة الاجتماعية.
قام الحزب في بداية تأسيسه على كاهل مجموعة من
الأشخاص المثقفين والذين سبقت لهم تجارب وطنية وسياسية في الأردن وفلسطين ومنهم:
سليمان الحديدي، وأمين شقير، وجمال الشاعر ومنيف الرزاز ( الضفة الشرقية )، و كل
من السادة: عبد الله الريماوي، وعبد الله نعواس، وبهجت ابوغربية وحسني الخفش،
وبسام الشكعة (الضفة الغربية )، وهؤلاء يضمون خريجين من الجامعة الأمريكية في بيروت،
أو ناضلوا في الثورات العربية الفلسطينية مثل:ثورة 1936ـ 1939، والحرب العربية ـ
الإسرائيلية عام 1948 أو كانوا أعضاء في عصبة العمل الوطني وتركوها بعد أن أيد
الشيوعيون قرار التقسيم الصادر عام 1947.